الحقيقة المُصطنعة: التصوّرات الخاطئة عن مخدع الحريم في اللوحات الفنية الاستشراقية

الملخص

يعتبر الاستشراق في التصوير التشكيلي من أكثر الظواهر التي تستحق التأمل والدراسة. فمع اختلاف طرقه وأساليبه، إلا أن أهدافه لم تتغيّر حتى الآن. منذ بداية الاتصال الحضاري بين عالمي الشرق والغرب، قام الأوروبيون بتسجيل انبهارهم بالمجتمع الشرقي لغةً وفناً. فكانت بعض لوحاتهم تنقل نسبياً صورة الواقع الاجتماعي، في حين كان بعضها الآخر لا يتعدّ كونه نسج من الخيال الأوروبي النمطي عن ذلك الشرق الساحر والمُفعم بالأساطير والتصوّرات غير الحقيقية. وبهذه الطريقة، أصبح الشرق - ولا سيما المرأة الشرقية – مصدراً للإلهام والتخيّلات في أعمالهم التصويرية. اهتمت ظاهرة الاستشراق في التصوير التشكيلي بتتبع قضايا المرأة الشرقية وخيالاتها الشهوانية، واعتبرتها رمزاً للاستعلاء وتجسيداً لفرض النفوذ السياسي على المنطقة. وتتركز مشكلة الدراسة في كيفية فهم واستيعاب استمرارية الظاهرة الاستشراقية في التصوير؟ ومع أنها في الأساس من نتاج الاستعمار الأوروبي، كانت الأعمال الفنية الاستشراقية ولا تزال مُقتصرة على تصوير الجسد الأنثوي واحتياجاته الجنسانية. وتهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على ظاهرة الاستشراق في التصوير التشكيلي الأوروبي بكل أبعادها الفكرية؛ استعراض الفروقات بين الفنانين الأوروبيين عند تصوير مخدع الحريم في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلادي؛ مقارنة أسلوب الفنان الشرقي مع نظيره الغربي عند تصويره للمرأة الشرقية في مخدع الحريم. وتخلص الدراسة إلى أن تصوير مخدع الحريم في اللوحات الاستشراقية تضمّن العديد من الإيحاءات الجنسانية والأفكار السياسية. وبسبب عدم وجود أي وثائق تثبت دخول أي فنان أجنبي لمخدع الحريم الشرقي، فإن الفن الاستشراقي الأوروبي ما هو إلا نسيج من الأكاذيب الواهية. حيث اعتمدت تلك الأعمال بالدرجة الأولى على كتابات الرحالة الأوروبيين والتي اختلطت فيما بعد بخيالات الفنان الشهوانية. وبسبب أن العديد من هذه الأعمال الفنية قد وثقت التراث العربي المفقود، لم يجد المقتنيين الشرق-أوسطيين بُداً من شرائها واقتنائها. فإن مثل هذه اللوحات تذكرهم بماضيهم المجيد، بالرغم من أن معظمها افتقر إلى الحقيقة ولم يخلُ من الضغائن المُستترة ضد العرب خاصة والمسلمين كافة.